كيف يُورث اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه (ADHD)؟
يُعدّ اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه (ADHD) من أكثر الاضطرابات النمائية العصبية شيوعًا، ورغم ذلك ما زالت فكرة وراثته تُفهم بشكل مبسّط وخاطئ في كثير من الأحيان. فالسؤال لا يقتصر على: هل ADHD وراثي؟ بل يمتد إلى: كيف يُورث؟وبأي آلية يظهر؟
أولًا: الفهم التقليدي الخاطئ
سادت لفترة طويلة فكرة أن ADHD ينتقل عبر جين واحد، وأن وراثة هذا الجين تعني بالضرورة ظهور الاضطراب.
إلا أن هذا التصوّر لم يعد مدعومًا علميًا، وقد أثبتت الدراسات الحديثة عدم دقّته.
ثانيًا: الوراثة متعددة الجينات
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن ADHD ينتقل عبر عدد كبير من الجينات الصغيرة، لا عبر جين واحد.
كل جين من هذه الجينات يضيف نسبة بسيطة من القابلية، لكن اجتماعها يكوّن استعدادًا عصبيًا لظهور الاضطراب.
يُعرف هذا النمط باسم الوراثة متعددة الجينات (Polygenic Inheritance)، وهو ما يعني أن ADHD ليس اضطرابًا وراثيًا مباشرًا، بل نتيجة شبكة جينية معقّدة تتفاعل مع عوامل أخرى.
ثالثًا: لماذا يُصنَّف ADHD كاضطراب نمائي؟
يُصنّف ADHD كاضطراب نمائي لأن الاختلافات العصبية تبدأ خلال نمو الدماغ في مراحل الطفولة المبكرة، وليس بعد اكتماله.
فالوراثة توفّر الأساس البيولوجي، لكن تطوّر الدماغ يتأثر بشكل كبير بالبيئة التي ينمو فيها الطفل.
تشمل القابلية الوراثية عادة:
• حساسية في نظام الدوبامين
• سرعة الاستثارة العصبية
• الاندفاعية
• تشتّت الانتباه
• صعوبة التنظيم الذاتي
لكن هذه القابلية لا تتحوّل تلقائيًا إلى اضطراب، بل يعتمد ظهورها وحدّتها على النمو والبيئة.
رابعًا: دور البيئة في شدة الأعراض
قد يحمل طفلان من العائلة نفسها قابلية جينية متشابهة، ومع ذلك تختلف الأعراض بينهما بشكل واضح.
فالطفل الذي ينشأ في بيئة منظّمة، داعمة، ومتفهّمة غالبًا ما تظهر لديه أعراض أخف،
بينما الطفل الذي ينمو في بيئة ضاغطة ومليئة بالتوتر قد يعاني أعراضًا أشد.
وهنا يظهر التفاعل الحاسم بين الوراثة والنمو والبيئة.
خامسًا: الوراثة اللاجينية (Epigenetics)
تُظهر الدراسات أن البيئة لا تغيّر الجينات نفسها، لكنها تؤثر في طريقة عملها.
ويُعرف هذا المفهوم بالوراثة اللاجينية، حيث يمكن لعوامل مثل:
• التوتر المزمن
• قلة النوم
• أساليب التربية
• الصدمات النفسية
أن تُنشّط أو تُثبّط الجينات المرتبطة بالانتباه والتنظيم العصبي.
الخلاصة:
لا يُورث اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه كاضطراب جاهز، بل يُورث كـ نمط معيّن لعمل الدماغ.
وهو دماغ يتميّز بالسرعة، والحساسية، والبحث عن التحفيز، مع صعوبة في تحمّل الروتين.
هذا النمط قد يتحوّل إلى قوّة إذا وُجدت بيئة واعية، ودعم مبكر، وتدخل مناسب عند الحاجة،
وقد يصبح تحدّيًا إذا نشأ في بيئة ضاغطة تفتقر للفهم والدعم.
المعادلة النهائية:
اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه = وراثة + نمو دماغي + بيئة
• الجينات تضع الأساس
• النمو يحدّد كيفية الظهور
• البيئة تشكّل شدّة الأعراض
فالوراثة ليست قدرًا محتومًا، والبيئة ليست حكمًا نهائيًا، بل فرصة لصناعة مسار أكثر توازنًا ووعيًا.
