النقد المستمر وتأثيره العميق على دماغ الطفل وصحته النفسية

 النقد المستمر وتأثيره العميق على دماغ الطفل وصحته النفسية

تؤكّد الأبحاث الحديثة في علم النفس العصبي أن الأطفال الذين يتعرّضون للنقد المستمر ينمّون استجابة مفرطة للتوتر، ما يُبقيهم عالقين في حالة دائمة من “الكرّ أو الفرّ”. هذه الحالة لا تقتصر على لحظات التهديد الفعلي، بل تصبح نمطًا عصبيًا دائمًا يؤثّر في طريقة إدراك الطفل للعالم وتفاعله معه.

تشير الدراسات إلى أن النقد المتواصل لا يؤذي مشاعر الطفل فحسب، بل يُعيد تشكيل بنية دماغه. فالضغط النفسي المزمن الناتج عن بيئات مليئة باللوم والتقليل من الشأن يدفع جهاز الاستجابة للتوتر لدى الطفل إلى العمل في حالة تأهّب قصوى، حتى في غياب الخطر الحقيقي. ومع مرور الوقت، يُعيق هذا التنشيط المستمر قدرة الطفل على الشعور بالأمان والهدوء والاستقرار العاطفي.

ووفقًا لأبحاث أجراها مركز الطفل النامي في جامعة هارفارد، فإن التعرّض المستمر للضغط النفسي في مرحلة الطفولة المبكرة قد يُحدث تغيّرات ملموسة في بنية الدماغ ووظائفه. هذه التغيّرات قد تؤدي إلى مشكلات طويلة الأمد في التنظيم العاطفي، وزيادة مستويات القلق، وضعف القدرة على التركيز والانتباه.

عندما تُفسَّر التفاعلات اليومية على أنها مهدِّدة، قد يلجأ الأطفال إلى سلوكيات دفاعية نابعة من غريزة البقاء، مثل فرط اليقظة، أو الانسحاب، أو الانغلاق العاطفي. ومع النمو، يترسّخ توقّع الحكم أو الأذى في جهازهم العصبي، ما يؤثّر سلبًا في تقديرهم لذاتهم وقدرتهم على بناء علاقات صحية. وغالبًا ما يواجه هؤلاء الأطفال صعوبة في الثقة بالآخرين أو الشعور بالأمان في المواقف الاجتماعية، نتيجة توقّعهم الدائم للنقد أو الرفض.

تُعرف هذه الحالة من التوتر المزمن باسم “التوتر السام”، وقد ارتبطت بمجموعة واسعة من الآثار بعيدة المدى، تشمل الاكتئاب، وصعوبات التعلّم، واضطرابات القلق، إضافة إلى مشكلات في الصحة البدنية. وتُبرز هذه النتائج بوضوح كيف يمكن للبيئات غير الآمنة عاطفيًا أن تترك بصمات دائمة في نمو الطفل، ليس فقط على المستوى النفسي، بل أيضًا على المستوى البيولوجي.

من هنا، تبرز أهمية توفير بيئة داعمة وآمنة عاطفيًا للأطفال، تقوم على التفهّم والتشجيع بدل النقد المستمر، لما لذلك من دور أساسي في بناء جهاز عصبي صحي وشخصية متوازنة قادرة على التكيّف والنمو السليم.

مقالات ذات صلة