مشكلة شائعة أثناء الحمل قد تزيد خطر التوحد عند الأطفال!
تشير أبحاث حديثة إلى أن واحدة من أكثر المشكلات الصحية الشائعة أثناء الحمل — ورغم ذلك كثيرًا ما تُهمل — قد ترتبط بزيادة خطر إصابة الأطفال باضطراب طيف التوحد. إلا أن الجانب الإيجابي والمطمئن هو أن هذا الخطر لا يبدو مرتفعًا عندما تُشخَّص المشكلة في الوقت المناسب ويُضبط علاجها بشكل صحيح، مما يجعل المتابعة الطبية الدقيقة عاملًا أساسيًا في الحد من أي تأثيرات سلبية محتملة.
وقد جاءت هذه النتيجة في دراسة واسعة شملت أكثر من 51 ألف امرأة، حيث تبين أن أكثر من أربعة آلاف منهن عانين من مستويات غير طبيعية لهرمونات الغدة الدرقية قبل الحمل أو أثناءه أو في المرحلتين معًا. وكشف الباحثون أن وجود خلل في عمل الغدة الدرقية لدى الأم قبل الحمل وأثناءه يمكن أن يزيد احتمال إصابة الطفل بالتوحد بأكثر من الضعف، وهو أمر لافت نظرًا لأن اضطراب طيف التوحد يعد من أكثر الاضطرابات النمائية شيوعًا لدى الأطفال، ويؤثر على التعلم والسلوك والتفاعل الاجتماعي.
كما أظهرت الدراسة أن مدة استمرار مشاكل الغدة الدرقية تلعب دورًا مهمًا في زيادة الخطر، إذ تبين أن الأمهات اللواتي يعانين من انخفاض مستمر في مستويات الهرمونات طوال فترة الحمل قد ترتفع لدى أطفالهن احتمالية التوحد إلى ثلاثة أضعاف مقارنة بأطفال أمهات كانت مشاكلهن مؤقتة أو خاضعة للعلاج. ومع ذلك، فإن النتائج كانت واضحة في أن معالجة الخلل وضبط مستويات الهرمونات يحافظان على خطر التوحد ضمن معدلات قريبة من الطبيعي، مما يعزز أهمية التدخل الطبي المبكر.
وتكتسب صحة الغدة الدرقية أهمية إضافية خلال الحمل لأنها تفرز هرمونات أساسية لتنظيم الأيض والطاقة ووظائف حيوية أخرى، كما تلعب دورًا محوريًا في تطور الدماغ، وخاصة في المراحل الأولى من نمو الجنين. إذ تساعد هذه الهرمونات على نمو الخلايا العصبية، وتكوين الروابط بينها، وتشكيل هياكل الدماغ، إضافة إلى إنتاج الميالين الذي يسهّل انتقال الإشارات العصبية بسرعة وكفاءة. وبذلك فإن أي اضطراب في مستوياتها قد يؤثر مباشرة على التطور العصبي للجنين.
وتُعد أمراض الغدة الدرقية ثاني أكثر الاضطرابات الهرمونية شيوعًا لدى النساء في سن الإنجاب، وقد ارتبط إهمالها خلال الحمل بمضاعفات متعددة مثل الإجهاض، تسمم الحمل، الولادة المبكرة، انخفاض وزن الطفل، وغيرها من التأثيرات التي قد تمتد إلى ما بعد الولادة. ورغم ذلك، لا يخضع فحص الغدة الدرقية عادة ضمن الفحوصات الروتينية للحمل في العديد من الدول، إلا عند وجود عوامل خطر أو أعراض واضحة. وهذا ما يترك عددًا كبيرًا من النساء دون تشخيص، خاصة إذا لم تكن لديهن مؤشرات واضحة مثل التعب الشديد أو تغير الوزن أو اضطراب ضربات القلب، أو إن لم يكن لديهن تاريخ عائلي أو ذاتي لمشاكل الغدة.
وإلى جانب ارتباطها باضطراب التوحد، تشير دراسات أخرى إلى أن مشاكل الغدة الدرقية غير المعالجة قد ترتبط بزيادة خطر اضطرابات نمائية أخرى مثل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، إذ وجد أن الأطفال الذين كانت أمهاتهم يعانين من قصور الغدة قبل الحمل أو خلال مراحله الأولى كانوا أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب بنسبة تقارب 24%. وهذا يؤكد أن الغدة الدرقية تؤثر على نمو الدماغ والسلوكيات لدى الأطفال أكثر مما كان يُعتقد سابقًا.
وفي النهاية، توضح هذه الأبحاث أن الاهتمام بصحة الغدة الدرقية أثناء الحمل ليس مجرد خطوة احترازية، بل هو عنصر أساسي في حماية الطفل من اضطرابات النمو العصبي. فالحرص على الفحوصات الدورية، والتشخيص المبكر، وضبط العلاج عند الحاجة، يمكن أن يقلل بشكل كبير من المخاطر المحتملة، ويضمن نموًا صحيًا ومتوازنًا للطفل منذ المراحل الأولى للحياة.
