كيف يربّي الآباء الناجحون أطفالاً أقوياء ذهنيّاً؟

 كيف يربّي الآباء الناجحون أطفالاً أقوياء ذهنيّاً؟

تسعى معظم الأسر إلى تنشئة أطفال قادرين على مواجهة تحدّيات الحياة بثقة وثبات. وفي السنوات الأخيرة، أصبح مفهوم القوّة الذهنيّة (Mental Toughness) محوراً رئيسياً في التربية الحديثة، إذ يؤكد خبراء الطفولة وعلم النفس أنّ هذه القدرة لا تُكتسب بالوراثة وحدها، بل تتكوّن عبر الممارسات اليومية داخل الأسرة.
ويستعرض هذا المقال أبرز الأساليب التي يعتمدها الآباء الناجحون في بناء هذه القوة لدى أبنائهم، استناداً إلى آراء الخبراء والتجارب التربوية المعاصرة.

أولاً: تعزيز الإحساس بالقدرة والسيطرة الذاتية

تبدأ القوّة الذهنية بالشعور الداخلي لدى الطفل بأنّه قادر على التحكّم في أفكاره ومشاعره وسلوكه. ولهذا يشجّع الآباء الناجحون أبناءهم على استخدام عبارات إيجابية تعيد توجيه التفكير نحو الثقة، مثل:
«أبذل جهدي وسيكون ذلك كافياً»،
«أستطيع أن أواجه هذا التحدّي».
فهذه العبارات تُنمّي الإحساس بالكفاية الذاتية، وتُعلّم الطفل أن الاعتماد على النفس هو الأساس في التعامل مع الصعوبات.

ثانياً: تشجيع مواجهة التحدّيات بدلاً من تجنّبها

من الطبيعي أن يسعى الوالدان لحماية أطفالهما من الإحباط أو الفشل، إلا أنّ الخبراء يؤكدون أنّ الحماية المفرطة تُضعف قدرة الطفل على الصمود.
فالآباء الناجحون يسمحون لأطفالهم بخوض التجارب ـــ حتى الصعبة منها ـــ لأنّهم يدركون أنّ الفشل جزء أساسي من عملية التعلّم. وعندما يواجه الطفل تحدّياً ما، يتمّ تشجيعه على التفكير فيما تعلّمه من التجربة، بدلاً من التركيز على النتيجة فقط.
وتُنمّي هذه الممارسة المثابرة، وتُعلّم الطفل أنّ النجاح لا يتحقق دائماً فوراً، بل هو حصيلة محاولات متعددة.

ثالثاً: تقديم نموذج حيّ للسلوك الإيجابي

يميل الأطفال إلى تقليد والديهم، لذا يحرص الآباء الناجحون على إظهار الهدوء والتفاؤل في المواقف الصعبة.
فحين يرى الطفل أحد والديه يستجيب للضغوط بهدوء واتّزان، يتعلّم أنّ التوتر والخوف ليسا الحلّ. كما أن استخدام عبارات مطمئنة مثل:
«يمكننا تجاوز هذا الوضع»،
«لكل مشكلة حل»
يساعد الطفل على تكوين ذهنية إيجابية تجعله يرى الصعوبات على أنها مواقف قابلة للتجاوز وليست مصدراً للرهبة.

رابعاً: تعليم مهارات المسؤولية العاطفية

لا تعني القوّة الذهنية تجاهل المشاعر أو قمعها، بل تعني فهمها والتعامل معها بوعي.
ولهذا يعلّم الآباء الناجحون أبناءهم كيفية التعبير عن الغضب أو الحزن أو الخوف بطريقة سليمة، إضافة إلى أهمية الاعتذار عند ارتكاب الخطأ.
وفي الوقت ذاته، يدرّبون الطفل على تجنّب جلد الذات والمبالغة في اللوم، لأن ذلك يُضعف ثقته بنفسه.
والمطلوب هو التوازن بين الاعتراف بالخطأ واتخاذ خطوات عملية لتصحيحه.

خامساً: توجيه التركيز نحو ما يمكن للطفل التحكّم فيه

إحدى أهم مهارات القوّة الذهنية هي القدرة على التمييز بين ما يمكن تغييره وما لا يمكن تغييره.
فالأطفال الذين ينشغلون بأمور خارجة عن نطاق سيطرتهم يشعرون بالقلق والإحباط، بينما يصبح الأطفال الذين يتعلّمون التركيز على ما يستطيعون فعله ـــ مثل تحسين سلوكهم، أو بذل جهد أكبر، أو تعديل طريقة تفكيرهم ـــ أكثر هدوءاً وقدرة على حلّ المشكلات.
وتُسهم هذه المهارة أيضاً في تعزيز قدرتهم على اتخاذ قرارات صحيحة وتجنّب الضغوط النفسية غير الضرورية.

الخلاصة إنّ تربية طفل قوي ذهنياً ليست مهمة آنية، بل عملية مستمرة تتطلّب الوعي والصبر. فالآباء الناجحون لا يسعون إلى حماية أطفالهم من جميع الصعوبات، بل يدرّبونهم على مواجهتها بمرونة وحكمة.
تنمو القوّة الذهنية عندما يتعلّم الطفل كيف يفكّر بطريقة صحيحة، وكيف يواجه التحديات، وكيف يتحكّم في مشاعره، وكيف ينهض من جديد بعد كل تجربة.
وغرس هذه المبادئ في سنّ مبكرة يمنح الطفل أساساً متيناً يجعله قادراً على مواجهة الحياة بثقة وتفاؤل واستقلاليّة

مقالات ذات صلة