صوت غناء الأم… دواء طبيعي لدماغ الطفل منذ الرحم
تؤكّد الدراسات الحديثة في علم الأعصاب التنموي أن دماغ الطفل يتفاعل مع صوت غناء الأم كما لو كان دواءً مهدّئًا طبيعيًا. فقد أظهرت الأبحاث أن غناء الأم قادر على تهدئة نبضات قلب الرضيع وتنظيم جهازه العصبي خلال ثوانٍ معدودة، حتى وإن كانت الأم تعتقد أنها «لا تجيد الغناء». فالتأثير لا يرتبط بجمال الصوت، بل بألفته وإيقاعه وارتباطه العاطفي العميق بالطفل.
يشير العلماء إلى أن دماغ الرضيع يستجيب لصوت الأم المغنّي عبر تنشيط مناطق مسؤولة عن التنظيم العاطفي، والذاكرة، واللغة. كما يسهم هذا التفاعل في تقوية الترابط العاطفي وتقليل التوتر، من خلال إفراز هرمونات مهدّئة مثل الأوكسيتوسين لدى كلٍّ من الأم والطفل. وهكذا يصبح الغناء تجربة متزامنة ومهدّئة تبني المسارات العصبية وتعزّز الصحة النفسية والمعرفية في آنٍ واحد.
كيف يعمل هذا التأثير في الرحم وبعد الولادة؟
التحفيز السمعي:
يبدأ الجنين في سماع صوت أمه منذ نحو الأسبوع الثامن عشر من الحمل. ومع تكرار سماع الصوت ذاته، تتكوّن لدى الجنين ألفة مع نبرة الأم وإيقاعها وأنماط كلامها، مما يمهّد لتطوّر مهارات اللغة والتواصل لاحقًا.
إفراز الهرمونات:
يحفّز غناء الأم أثناء الحمل إفراز هرمونات مثل الأوكسيتوسين (هرمون الحب) والسيروتونين، وهي هرمونات تعبر المشيمة وتساعد على تهدئة الجنين، وتقليل التوتر، وتنظيم ضربات القلب. وبعد الولادة، يؤدي غناء الأم مباشرة إلى إفراز هذه الهرمونات لدى الرضيع نفسه، مما يعزّز شعوره بالأمان والطمأنينة.
تطوّر الدماغ:
يساعد الغناء الإيقاعي على تنشيط مناطق دماغية مهمّة، مثل الحُصين المسؤول عن الذاكرة، واللوزة الدماغية المرتبطة بالمشاعر. هذا التنشيط يساهم في بناء شبكات عصبية أكثر غنى، ويعزّز مرونة الدماغ وقدرته على التعلّم.
التنظيم العاطفي:
الألحان المألوفة التي سمعها الطفل في رحم الأم تعمل بعد الولادة كوسيلة تهدئة فعّالة، فتقلّل من البكاء وتساعد على مواءمة مستوى الاستثارة لدى الطفل مع حالة الهدوء التي تعيشها الأم، وهو ما ينعكس على انتظام المؤشرات الفسيولوجية لديه.
تعزيز الترابط والمزاج:
يُعدّ صوت الأم المغنّي أداة قوية لتعزيز الارتباط العاطفي بين الأم وطفلها، وتحسين مزاج الرضيع. وهو بمثابة «دواء مجاني» يدعم الصحة النفسية، ويشكّل أساسًا متينًا للنمو العاطفي والمعرفي السليم.
مناطق الدماغ التي ينشّطها الغناء والموسيقى:
• اللوزة الدماغية (Amygdala): مسؤولة عن الاستجابة العاطفية.
• الحُصين (Hippocampus): مرتبط بتكوين الذاكرة والتعلّم.
• المخيخ (Cerebellum): يساهم في تنسيق الحركة والإيقاع.
• الجسم الثفني (Corpus Callosum): ينسّق التواصل بين نصفي الدماغ.
في ضوء هذه المعطيات، يتبيّن أن غناء الأم ليس مجرد تعبير عن الحب، بل أداة عصبية وعاطفية فعّالة تدعم نمو دماغ الطفل وتنظيم مشاعره منذ أبكر مراحل الحياة. إنه علاج طبيعي بسيط، عميق الأثر، ومتاح لكل أم، بصوتها فقط.
