حملُ الرضيعِ أثناءَ النوم: استثمارٌ مبكّر في صحته النفسية المستقبلية
تشير الأبحاث الحديثة في علم الأعصاب التنموي إلى أن حملَ الرضيع بانتظام أثناء النوم لا يُعدّ تدليلًا مفرطًا كما يُشاع، بل هو ممارسة داعمة للنمو العصبي السليم، وقد يسهم بشكل فعّال في الوقاية من القلق واضطرابات الصحة النفسية في مراحل لاحقة من الحياة.
كيف يؤثر الحمل أثناء النوم في دماغ الرضيع؟
عندما يُحمل الرضيع وهو نائم، يتلقى نوعًا من اللمس الحنون والمتوقّع يُعرف بـاللمس العاطفي. هذا النوع من اللمس يرسل إشارات أمان إلى الجهاز العصبي، فيساعد على تهدئته، ويخفض مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول. وفي الوقت نفسه، يُحفَّز إفراز هرمون الأوكسيتوسين المسؤول عن الشعور بالطمأنينة والترابط، كما يُنشَّط الجهاز العصبي اللاودي المرتبط بالاسترخاء والهدوء.
هذا الهدوء المتكرر يسهم في تعزيز التواصل العصبي بين منطقتين أساسيتين في الدماغ:
• القشرة الجبهية الأمامية (PFC): المسؤولة عن التفكير العقلاني، واتخاذ القرار، والتنظيم الذاتي.
• اللوزة الدماغية (Amygdala): المسؤولة عن معالجة الخوف والانفعالات.
بناء مسارات عصبية أقوى
أثناء النوم، يكون الدماغ في حالة مثالية لمعالجة الانفعالات وترسيخ الخبرات. ويساعد اللمس المهدّئ والمتكرر خلال هذه المرحلة على:
• تكوين مسارات عصبية أقوى وأكثر كفاءة بين القشرة الجبهية الأمامية والجهاز الحوفي، ولا سيما اللوزة الدماغية.
• تعليم الدماغ أن التوتر قابل للإدارة وأن القرب الجسدي من المُعتني يشير إلى الأمان.
• توفير “دعامة تنظيمية” خارجية؛ إذ يعمل وجود المُعتني على تنظيم الجهاز العصبي غير الناضج لدى الرضيع، ما يساعده تدريجيًا على بناء قدرته الذاتية على التنظيم الانفعالي.
كيف يقي ذلك من القلق في المستقبل؟
1. تحسّن تنظيم المشاعر
عندما تكون القشرة الجبهية الأمامية مترابطة بشكل جيد مع اللوزة الدماغية، تصبح أكثر قدرة على تهدئة الاستجابات الانفعالية المفرطة، مما يقلل من ردود الفعل الخوفية غير الضرورية.
2. تكوين مخطط داخلي للأمان
التجارب الإيجابية المتكررة تُرسِّخ في دماغ الطفل شعورًا بأن العالم مكان آمن وداعم، لا مصدر تهديد، وهو ما يشكّل أساسًا متينًا للمرونة النفسية لاحقًا.
3. تقليل فرط نشاط اللوزة الدماغية
هذا الدعم المبكر يخفف من حدة الاستجابات الخوفية في مراحل النمو اللاحقة، ويقلل من نوبات الانفعال الشديد والانهيارات العاطفية.
الخلاصة
إن حمل الرضيع أثناء النوم ليس إفسادًا ولا عادة خاطئة، بل هو لغة أمان عصبية يفهمها الدماغ في مراحله الأولى. هذا القرب الجسدي الحنون يسهم في بناء دوائر عصبية صحية، ويضع أساسًا متينًا لتنظيم عاطفي أفضل وصحة نفسية أكثر استقرارًا في المستقبل. إنه استثمار بسيط في الحاضر، لكن أثره يمتدّ مدى الحياة.
